مقالات جديدة
فطنة الامام ابي حنيفة النعمان رحمه الله
  تعليم الاسلام
  October 9, 2017
  0

موقع تعليم الاسلام

 

في ذكر ما كان عليه أبو حنيفة من حُسن الاعتقاد ووفور العقل، والفِطنة، والذكاء المفرط، والتلطف في الجواب، وبره لوالديه، رضي الله عنه

روى الخطيب بسنده، عن يحيى بن نصر، قال: كان أبو حنيفة يفضل أبا بكر وعمر، ويحب علياً وعثمان، وكان يؤمن بالأقدار، ولا يتكلم في القدر، وكان يمسح على الخفين، وكان من أعلم الناس في زمانه وأتقاهم.

 

القران غير مخلوق

وعن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، أنه قال: من قال: القرآن مخلوق فهو مبتدع، فلا يقولن أحدٌ بقوله، ولا يصلين أحدٌ خلفه.

وروى أن ابن المبارك قدم على أبي حنيفة، فقال له أبو حنيفة: ما هذا الذي دب فيكم؟ قال له: رجل يقال له جهم.

قال: وما يقول؟ قال: يقول القرآن مخلوق.

فقال أبو حنيفة: (كَبُرَتْ كَلِمَةً مِنْ أفوَاهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلاَّ كَذِباً).

وكان معلى بن منصور الرازي، يقزل: ما تكلم أبو حنيفة، ولا أبو يوسف، ولا زفر، ولا محمد، ولا أحد من أصحابهم في القرآن، وإنما تكلم بشر المريسي، وابن أبي داود.

وعن ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري، يا أبا عبد الله، ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، وما سمعته يغتاب عدوا له قط.

قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها.

وكان عليُّ بن عاصم، يقول: لو وزن عقل أبي حنيفة بعقل نصف أهل الأرض لرجح بهم.

وقال خارجة بن مصعب: لقيت ألفاً من العلماء فوجدت العاقل فيهم أربعة. فذكر أبا حنيفة في الثلاثة أو الأربعة.

وقال أيضاً: من لا يرى المسح على الخفين، أو يقع في أبي حنيفة، فهو ناقص العقل.

 


دفاع عن عثمان بن عفان رضي الله عنه

وروى الخطيب في تاريخه " ، أنه كان بالكوفة رجل يقول: عُثمان بن عفان كان يهودياً.

فأتاه أبو حنيفة، فال: أتيتك خاطباً لأبنتك.

قال: لمن؟
قال: لرجل شريف، غتي من المال، حافظ لكتاب الله، سخي، يقوم الليل في ركعة، كثير البكاء من خوف الله.
قال: في دون هذا مقنع يا أبا حنيفة.
قال: إلا أن فيه خصلة.
قال: وما هي؟ قال: يهودي.
قال: سُبحان الله، تأمرني أن أزوج ابنتي من يهودي.
قال: لا تفعل؟ قال: لا.
قال: فالنبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته من يهودي!.
قال: أستغفر الله، فإني تائب إلى الله.

 

قصة الرافضي
وروى الخطيب أيضاً، بسنده، عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، قال: كان لنا جار طحان رافضي، وكان له بغلان؛ أحدهما أبو بكر والآخر عمر، فرمحه ذات ليلة أحدهما، فقتله، فأخبر أبو حنيفة، فقال: انظروا البغل الذي رمحه، هو الذي سماه عمر. فنظروا. فكان كذلك.

 

وقال ابن المبارك: رأيت أبا حنيفة في طريق مكة، وقد شوى لهم فصيل سمين، فاشتهوا أن يأكلوه بخل، فلم يجدوا شيئاً يصبون فيه الخل، فتحيروا فرأيت أبا حنيفة قد حفر في الرمل حفرة، وبسط عليها السفرة، وسكب الخل على ذلك الموضع، فأكلوا الشواء بالخل. فقالوا له: تحسن كل شيء!!

قال: عليكم بالشكر، هذا شيء ألهمته فضلاً من الله عليكم.

 

الاستثناء في اليمين عنده

وعن أبي يوسف، قال: دعا المنصور أبا حنيفة، فقال الربيع حاجب المنصور، وكان يُعادي أبا حنيفة: يا أمير المؤمنين، هذا أبو حنيفة يُخالف جدك، كان عبد الله بن عباس يقول: إذا حلف اليمين استثنى ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الاستثناء، إلا متصلاً باليمين.

فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين، إن الربيع يزعم أنه ليس لك في رقاب جُندك بيعة.

قال: وكيف؟ قال: يحلفون لكم، ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون، فبطل أيمانهم.

قال: فضحك المنصور، وقال: يا ربيع، لا تعرض لأبي حنيفة.

فلما خرج أبو حنيفة، قال: أردت أن تشيط بدمي؟ قال: لا، ولكنك أردت أن تشيط بدمي فخلصتك، وخلصت نفسي.


وكان أبو العباس الطوسي سيئ الرأي في أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة يعرف ذلك، فدخل أبو حنيفة على أبي جعفر المنصور يوماً، وكثر للناس عنده، فقال الطوسي: اليوم أقتل أبا حنيفة.

فأقبل عليه، فقال: يا أبا حنيفة، إن أمير المؤمنين يدعو الرجل منا، فيأمره بضرب عنق الرجل، لا يدري هو، أيسعه أن يضرب؟ فقال: يا ابا العباس، أمير المؤمنين يأمر بالحق أو بالباطل؟ قال: بالحق.

قال: أنفذ الحق حيث كان، ولا تسأل عنه.

ثم قال أبو حنيفة لمن قرب منه: إن هذا أراد أن يوثقني فربطته.

 

البر بوالدته

وكان أبو حنيفة، رحمه الله، كثير البر بوالدته، والقيام بواجب حقها، وإدخال السرور عليها، وعدم المخالفة لها.

حدث حجر بن عبد الجبار الحضرمي، رحمه الله تعالى، قال: كان في مسجدنا قاض يُقال له زرعة، ينسب مسجدنا إليه، وهو مسجد الحضرميين، فأردت أم أبي حنيفة أن تستفتي في شيء، فأفتاها أبو حنيفة، فلم تقبل، وقالت: ما أقبل إلا ما يقوله زرعة القاص.

فجاء بها أبو حنيفة إلى زرعة، فقال: هذه أمي تستفتيك في كذا وكذا.

فقال: أنت أعلم مني وأفقه، فأفتها أنت.

فقال أبو حنيفة: قد أفتيتها بكذا وكذا.

فقال زرعة: القول كما قال أبو حنيفة.

فرضيت وانصرفت.

وفي رواية، أن زرعة قال لها: أفتيك ومعك فقيه الكوفة! فقال أبو حنيفة: أفتها بكذا وكذا. فأفتاها فرضيت.

وفي بره بوالديه وتعظيمه لشيخه حماد يقول بعضهم:

نُعمَانُ كان أبرَّ الناسِ كُلِّهمُ ... بوَالدَيْه وبالأُسْتاذ حَمَّادِ
مَا مَدَّ رِجْليْهِ يوماً نحْو منزلِه ... ودُونَه سِكَكٌ سَبْعٌ كأطْوَادِ

روى أن أبا حنيفة قال: ما مددت رجلي نحو دار أستاذي حماد؛ إجلالاً له. وكان بين داره وداره سبع سِكك.

وعن ابن المبارك، أنه قال: رأيت الحسن بن عمار آخذاً بركاب أبي حنيفة، وهو يقول: والله ما أدركت أحداً تكلم في الفقه أبلغ، ولا أصبر، ولا أحضر جواباً منك، وإنك لسيد من تكلم في وقتك غير مدافع، ولا يتكلمون فيك إلا حسداً.

وكان ابن داود يقول: الناس في أبي حنيفة حاسد، وجاهل، وأحسنهم عندي حالاً الجاهل.

وحدث سفيان بن وكيع، قال سمعت أبي يقول: دخلت على أبي حنيفة، فرأيته مُطرقاً مُفكراً، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: أقبلت من عند شريك.

فرفع رأسه وأنشد يقول:

إن يَحسُدُوني فإنيِّ غيرُ لائِمِهمْ ... قَبْلي مِن الناس أهْلُ الفضْلِ قد حُسِدوا
فدَامَ لي ولهم مَا بِي وما بِهِمُ ... ومَات أكثرُنا غَيظاً بما يَجِدُ

 

قال: وأظنه كان بلغه عنه شيء.

وذكر لمحمد بن الحسن ما يجري الناس من الحسد لأبي حنيفة فقال:
مُحَسَّدُون وشَرُّ الناسِ مَنْزِلَةً ... مَن عاش في الناسِ يَوْماً غيرَ مَحْسودِ

الطبقات السنية في تراجم الحنفية / تقي الدين بن عبد القادر التميمي الداري الغزي